حلم و تأويل رؤيا النوع الثالث:الرؤيا الصادقة أو الصالحة

حلم و تأويل رؤيا النوع الثالث:الرؤيا الصادقة أو الصالحة

النوع الثالث من أنواع الرؤى :
‏وهو ما يكون الهامأ من الل للعبد , وقيدها بعض علماء الرؤى
‏بقولهم: وذلك عندما تصفو نفسة , وتتخلص سريرته من افكار السوء , ويتعلق قلبه بذكر الله , فلا يرى الا حقا وصدقا, وتلك هي الرؤيا الصادقة
‏التي توصف بأنها جزء من النبوة(1) .
يقول الرسول الكريم صلي الله علية وسلم في الحديث المتفق عليه وهو عند أحمد في مسنده أيضآ من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه:”رؤيا المؤمن جزء من سته واربعين جزءا من النبوة”(2) .
‏ولي عند هذا الحديث وقفة مطولة لاشتماله على بعض المسائل المهمة:
‏فأقول: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة , فروى حديث أنس هذا الشيخان , وروى الإمام أحمد والشيخان مثله عن عبادة بن الصامت , وكذلك أبو داود والترمذي , ورواه الإمام أحمد والشيخان وابن ماجه من حديث أبي هريرة .
‏وبالنسبة لعدد الأجزاء: فقد جاء عدة روايات أو جزها مقتصرأ على الشاهد فقط كما جاء في شرح صحيح مسلم للنووي مفصلا:
‏فقد جاء في البخاري ومسلم:”الرؤيا الصالحة جزءا” , من ستة واربعين جزءا من النبوة ” كما سبق(3) .
‏وجاء في مسلم: “من خمس وأربعين جزء”, وجاء فيه أيضا: “من سبعين جزءا”.
‏وجاء في الطبراني : “جزء من ستة وسبعين جزءا ” ‏.
ولابن عبدالبر رواية : “من ستة وعشرين جزء”.
وعند الامام أحمد: “جزء من خمسين جزء”.
وجاء عند الترمذي: “جزء من أربعين جزءا” ‏.
‏وعند الطبري: “جزء من تسعة وأربعين جزءا”, وله أيضا: “من اربعة واربعين”.
‏وجاء ايضا عن ابن عباس : “جزء من اربعين جزءأ”.
‏ونحن هنا أمام روايات متعددة وأقلها جزء من ستة وعشرين واكثرها جزء من ستة وسبعين , قال النووي في شرح صحيح مسلم(4) : هذا الاختلاف راجع الى اختلاف حال الرائي , فالمؤمن الصالح تكون رؤ ياه جزءأ من ستة وأربعين جزءأ والفاسق جزءأ من سبعين جزءأ , فالاختلاف بحب مراتب الأشخاص وكلما قلت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى الصدق , وقيل المراد أن الخفي منها جزء من سبعين , والجلي جزء من ستة وأربعين.
‏قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : وكون العدد جزء من ستة وأربعين جزءأ موافق للواقع بالنسبة للوحي الذي أوحي ا،لى النبي صلي الله علية وسلم لأن أول الوحي كان بالرؤيا الصالحة من ربيع الأول الى رمضان وهذا ستة آشهر , ثم اوحى الله إليه بعد ذللك في اليقظة بقية مدة حياته , فاذا نسبت هذا إلى بقية زمن الوحي كان جزءأ من ستة وأربعين جزءا: لأن الوحي كان ثلاثا وعشرين منة وستة أشهر”(5). وقد استشكل كون الرؤيا جزءأ من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلي الله عليم وسلم وسأذكر بعضا مما قيل في توضيح هذا.
‏قال القرطبي معنى كونها جزء ا من النبوة :
أن المسلم الصادق الصالح ، يناسب حاله حال الأنبياء، وهو الاطلاع على الغيب ، بخلاف الكافر والفاسق والمخلط ، وتعقب هذا القول الامام
محمد السفاريني بقوله: ( بل يشابه حال الانبياء في صحة رؤياه وصفاء خاطره واتصال روحه في حال نومه بعالم الملكوت ) . وهذا هو الصحيح فلا يعلم الغيب إلا هو سبحانه
‏وقال بعض العلماء :
معنى كونها جزءأ من أجزاء النبوة على سبيل المجاز, وهو أنها تجيء على موافقة النبوة ; وذلك لأنها جزء من النبوة.
‏وقيل : المعنى : أنها جزء من علمها ، لأنها وان انقطعت النبوة فعلمها باق.
وقيل: معنى كونها جزءأ من أجزاء النبوة مشابهتها في صدق الأخبار عن الغيب ; والخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة.
‏والخلاصة من هذا العرض : أن رؤيا الكافر لا تعد أصلأ من أجزاء النبوة , وبعده الفاسق وهو مثل الكافر, وذكر بعضهم أن رؤيا الفاسق تعد من أقصي الأجزاء فيبقى المسلم الصالح والمؤمن وهو الذي رؤياه من هذا النوع يقول الجلال السيوطي رحمه الله وهو يقلق على هذا الحديث :
‏ ( وهذا الحديث عندي من الأحاديث المتشابهة التي نؤمن بها و نكل معناها المراد إلى قائله صلي الله علية وسلم ولا نخوض في تفسير هذا الجزء من هذا العدد ولا حكمته، خصوصا وقد اختلفت الروايات في كمية العدد كما تقدم فالله أعلم بالمراد بالمقصود من ذلك ) أ. هـ(6).
‏والرؤيا الصالحة من اقسام الوحي , وقد تكون سببأ لشرع بعض الأحكام ومن ذلك رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وقد كان إبراهيم نذر إن رزقه الله ولدأ من سارة أن يذبحه قربانأ فرأى في المنام : أن أوف بنذرك(7) ، وحديث الطفيل أخي عائشة لأمها حول قول ما شاء الله وشاء
محمد وأمرهم الرسول بعدها أن يقولوا: ما شاء الله وحده , أو ما شاء الله ثم محمد , ولا يقولوا: ما شاء الله ومحمد(8) , ورؤيا عبد الله بن زيد في الأذان وتشريع الأذان بعدها وقد ثبت عنه صلي الله علية وسلم أنه قال عنها: إنها رؤيا حق.
‏كذلك أثبت أبو بكر رضي الله عنه رؤيا من رأى ثابت بن قيس بن شماس(9) حول درع سلبت منه بعد موته واستردادها بهذه الرؤيا وتنفيذ
‏الوصية بها وانتزاع الدرع ممن هي في يده بها , ولكن أبا بكر الصديق هو أول الخلفاء الر اشدين وهو ممن ذكاة الرسول صلي الله علية وسلم فاجتهاده في هذا وقبول الصحابة لهذا الاجتهاد بوجود القرأئن الدالة على الصدق مقبول , ويوجد الكثير من الشواهد على مثل هذا في كتب الفقه , أما اليوم فتنفيذ وصية او أمر له علاقة بالشرع من خلال الرؤى غير جائز لا عقلا ولا شرعأ كما لا
‏يخفى على كل ذي لب.
‏وهذه الرؤيا الصالحة جاءت من هذا الصحابي الجليل لتؤكد لنا وجودها من الرجل الصالح كما أقر هذا علماء هذا الفن تأسيسا على حديث الرسول صلي الله علية وسلم وقال فيه : “. . واصدقكم رؤيا اصدقكم حديثا. . .” وسيرد ان شاء الله.
‏وقوله صلي الله علية وسلم : “رؤيا المؤمن جزء من. . . . ” الحديث , يشمل المرأة المؤمنة الصالحة كذلك , وقد عنون البخاري في صحيحه: باب رؤية النساء , وأورد ابن حجر: ما ذكره ابن بطال من الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة الصالحة داخلة في قوله صلي الله علية وسلم :”رؤيا المؤمن الصالح جزء من اجزاء النبوة “,
‏فلا فرق بين الرجل والمرأة من حيث الرؤى , ولكن قد يوجد الفرق من ناحية التعبيره فالمعبرون يقولون: إن المرآة اذا رأت ما ليسته له أهل ء فهو لزوجها , وقالوا: كذلك الطفل رؤياه غالبأ تكون لأبويه , والله اعلم (10).
وأعود لقصة ثابت بن قيس بن شماس، وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم , وقد ثبت أن رسول الله صلي الله علية وسلم قال له :” يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدأ وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟ ” قال مالك بن أنس وهو أحد رواة الحديث: فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا(11).
‏وقصه ثابت هذا ذكرها ابن القيم(12)
قال:‏لما كان يوم اليمامة وهي الحرب ضد المرتدين , خرج ثابت مع خالد بن الوليد الى قتال مسيلمة فلما التقوا وتكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ها هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلي الله علية وسلم , ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها , فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه في منامه . أي ثابت – فقال له: ‏أوصيك بوصية فاياك أن تقول هذا حلم فتضيعة , إني لما قتلت مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي , فنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس- يستن – أي يعدو بمرح ونشاط . وقد كف على الدرع برمة أي قدر من الحجارة – وفوق البرمة رحل – وهو ما يوضع على ظهر الدابة للركوب فأت خالدأ فمرة أن يبعث الى درعي فيأخذها, واذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلي الله علية وسلم يعني أبا بكر الصديق , فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق , فيأتى الرجل خالدأ , فأخبره فبعث الى الدرع فأتي ووجدها كما أخبرهم في الرؤيا تحت البرمة وعندها الفرس بوصفه , وأجاز أبو بكر باقي وصيته.
‏قال أبو عمر بن عبد البر وغيره من الأقدمين , وكذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين حديثأ رحمة الله عليهم:
‏أجاز أبو بكر وصيتة لوجود القرائن التي تدل على صدقها ، قال أبو عمر بن عبد البر : ولا نعلم أحدأ أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه الله ، أ . هـ(13) .
‏إذا كما نلاحظ : اتفق خالد بن الوليد وأبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ ما جاء فيها.